السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لماذا الاهتمام بهذه العشر الأول من ذي الحجة؟
قبل الإجابة لا بد من لفت النظر إلى أمر مهم ورد في تفسير ابن كثير للإجابة على سؤال مشابه
حول تخصيص الأشهر الأربعة الحرم خاصة الثلاث المتوالية من ذي القعدة وذي الحجة ومحرم
ولماذا جعلها الله تعالى حراما، أو لماذا اختصها الله تعالى دون غيرها بهذه الخاصية، والسبب
باختصار ليتمكن الحجاج من الذهاب إلى الحج لبيت الله تعالى الحرام بأمان وطمأنينة والحج يكون
في العشر الأوائل من ذي الحجة وأما الرجوع من رحلة الحج فيحتاج فرصة شهر بعد أداء الحج
فرحلة الحج لذلك تتم خلال ثلاثة أشهر، ولا بد أن تكون هذه الأشهر حراما أي يحرم فيها الظلم
والقتل والاعتداء، وأما شهر رجب حتى يتمكن المعتمرون من أداء العمرة في شهر رجب بأمان.
**********
وقد عظَّم القرآن الكريم حرمة هذه الأشهر، حيث قال تعالى:
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ (التوبة: من الآية 36).
قال ابن عباس: "فجعلهن حرامًا (أي الأشهر الأربعة الحرم) وعظَّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن
أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم، كما قال قتادة (التابعي المفسر): "إن الظلم في الأشهر الحرم
أعظم خطيئةً ووزْرًا من الظلم فيما سواهن - وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا- ولكن الله يعظِّم
أمره ما شاء.
وأضاف قتادة أيضا: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس
واصطفى من الكلام ذكره واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر
الحُرُم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظِّموا ما عظَّم الله
فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل".
(راجع تفسير آية التوبة في تفسير ابن كثير).
*********
فرص ومنح لتكفير الذنوب ورفع الدرجات
ومن رحمة الله تعالى على عباده أن يمنحهم فرصا متوالية لتكفير الذنوب ورفع الدرجات في مواسم
متفرقة ومنها هذا الموسم الخصب للطاعة وهو الأيام العشر الأول من ذي الحجة ومن رحمة الله تعالى
أنه سبحانه لما فضل هذه العشر الأيام على غيرها، أرشدنا لهذا التفضيل؛ لنستكثر من عمل الصالحات
ونتنافس في الخيرات، ونبتعد عن المعاصي ونهجر المنكرات، فكما أن الطاعات أسباب لقرب العبد من
الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب
يرتكبه فإن كنا نطمع في مغفرة الذنوب، ومحو السيئات، والعتق من النار؛ فلنبتعد عن المعاصي في
هذه الأيام، ونجاهد أنفسنا للوصول للسير في طريق الاستقامة، والبعد عن طريق الغواية.
*************
لماذا الاهتمام بالعشر الأول من ذي الحجة ؟؟؟؟
ينبغي الاهتمام بهذه العشر فهي داخل الأشهر الحرم المعظمة، ونسعى للاجتهاد في هذه الأيام بالعمل
الصالح أكثر من غيرها وهذه الأيام أحب إلى الله تعالى من غيرها وإذا عرفنا سبب ذلك، واطلعنا على
فضلها فهذا يجعلنا نتحمس لمزيد من الاجتهاد، ويدفعنا للحرص على التماس الأجر، وطلب العفو
وسوف نتعرف على الأدلة التي تشير إلى فضيلة هذه العشر، ومن ذلك :
فقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه العشر بأنها أفضل أيام الدنيا، فعن جابر رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر ـ يعني عشر ذي الحجة ـ قيل: ولا مثلهن
في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب"
رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني.
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل الصالح فيها؛ وقد ورد في بيان فضلها حديث
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ"
يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ
إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"رواه البخاري.
**************
ولبيان أهمية هذه العشر أيضا :
فقد أقسم الله تعالى بها في سورة الفجر، فقال تعالى: "والفجر وليال عشر"، وهذا وحده يكفيها شرقاً وفضلاً
إذ العظيم سبحانه وتعالى لا يقسم إلا بعظيم، وليس للعبد إلا أن يقسم بالله تعالى، وإذا أقسم الله تعالى على شيء
من مخلوقاته فهذا لبيان عظمة هذا المخلوق، وأهميته، ورفعة مكانته، وعلو منزلته.
وهذه العشر فيها يوم عرفة، ويوم عرفة هو يوم مغفرة الذنوب للحجاج، ويوم العتق من النيران
ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً.
وفيها يوم النحر أو يوم الحج الأكبر: وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم:
"أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر"، ويوم القر هو يوم الاستقرار في منى، والحديث
رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.
************
وأيضا لاجتماع أمهات العبادة فيها: قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر
ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
ولهذا ينبغي على العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها.
وذلك بالإسراع بتجديد التوبة من الذنوب..
فمطلوب من العبد الفطن هو من يحرص على اغتنام هذه المواسم، ولا يجعلها تمر عليه مرور الكرام.
ومن الأعمال الصالحة التي نحرص عليها في تلك الأيام: الحج والعمرة لمن استطاع
إليهما سبيلاً. قال تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ﴾ سورة البقرة: من الآية 196.
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ"متفق عليه.
و توثيق الصلة بالله، بالتقرب إليه بما افترضه علينا، فلنحرص على أداء الفرائض، والاستزادة
من النوافل.كما في الحديث: "مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَمَا يَزَالُ
عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ..."رواه البخاري.
الإكثار من الذكر، خاصةً لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص هذه الأيام المباركة
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلا
أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"
رواه أحمد وغيره وصححه الشيخ شاكر.
وقال البخاري: كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران
ويكبر الناس بتكبيرها. وقال: وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبرأهل
الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه
وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَومن أهم الأعمال الصالحة، والتي تذكرنا بأبي الأنبياء: ذبح الأضحية: فشرع الله الأضحية بقوله تعالى:
"فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" سورة الكوثر وقوله تعالى: "والبُدْن حعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير" سورة الحج: 36
وهي سنة مؤكدة ويُكره تركها مع القدرة عليها لحديث أنس رضي الله عنه الذي رواه البخاري ومسلم
أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمّى وكبّر.
وصيام التسع الأول منها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة.
فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من
كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين"
أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود
قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: أنه مستحب استحباباً شديداً.
والصيام يجعل المسلم يتربى في مدرسة التقوى؛ لأنه يجاهد نفسه، ويحارب شيطانه، ويضبط أخلاقه خلال
أيام الصوم التي يتذكر فيها فضائل الصيام، وأثره على تربية النفس وتقوية الإرادة، والوصول للتقوى.
ومن لم يتمكن من صيام الأيام الأوائل من العشر الأوائل، فليحرص على صيام يوم عرفة، وذلك لغير الحاج
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) رواه مسلم.
ومع الحرص غير ذلك من الأعمال الصالحة الكثيرة، كتلاوة القرآن، وقيام الليل والتخلق بالأخلاق الفاضلة
مثل حفظ اللسان وإفشاء السلام وإطعام الطعام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى الجيران
وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق.
و من الأعمال الصالحة أيضا احتساب الأجر في النفقة على الزوجة والأولاد، وكفالة الأيتام
وزيارة المرضى، وقضاء الحوائج للمسلمين، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
والمحافظة على صلاة الجماعة. والصلح بين المتخاصمين، والبر بالوالدين، وصلة الأرحام
ونشر الكلمة الطيبة، وإتقان العمل، والتعاون على البر والتقوى.
*************
و لنكثر جميعا من فعل الصالحات، وبالعمل الصالح تتنزل الرحمات الله، ونتلمس النفحات
وتخرج البركات، وينصرنا الله تعالى على الأعداء.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
لماذا الاهتمام بهذه العشر الأول من ذي الحجة؟
قبل الإجابة لا بد من لفت النظر إلى أمر مهم ورد في تفسير ابن كثير للإجابة على سؤال مشابه
حول تخصيص الأشهر الأربعة الحرم خاصة الثلاث المتوالية من ذي القعدة وذي الحجة ومحرم
ولماذا جعلها الله تعالى حراما، أو لماذا اختصها الله تعالى دون غيرها بهذه الخاصية، والسبب
باختصار ليتمكن الحجاج من الذهاب إلى الحج لبيت الله تعالى الحرام بأمان وطمأنينة والحج يكون
في العشر الأوائل من ذي الحجة وأما الرجوع من رحلة الحج فيحتاج فرصة شهر بعد أداء الحج
فرحلة الحج لذلك تتم خلال ثلاثة أشهر، ولا بد أن تكون هذه الأشهر حراما أي يحرم فيها الظلم
والقتل والاعتداء، وأما شهر رجب حتى يتمكن المعتمرون من أداء العمرة في شهر رجب بأمان.
**********
وقد عظَّم القرآن الكريم حرمة هذه الأشهر، حيث قال تعالى:
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ (التوبة: من الآية 36).
قال ابن عباس: "فجعلهن حرامًا (أي الأشهر الأربعة الحرم) وعظَّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن
أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم، كما قال قتادة (التابعي المفسر): "إن الظلم في الأشهر الحرم
أعظم خطيئةً ووزْرًا من الظلم فيما سواهن - وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا- ولكن الله يعظِّم
أمره ما شاء.
وأضاف قتادة أيضا: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس
واصطفى من الكلام ذكره واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر
الحُرُم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظِّموا ما عظَّم الله
فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل".
(راجع تفسير آية التوبة في تفسير ابن كثير).
*********
فرص ومنح لتكفير الذنوب ورفع الدرجات
ومن رحمة الله تعالى على عباده أن يمنحهم فرصا متوالية لتكفير الذنوب ورفع الدرجات في مواسم
متفرقة ومنها هذا الموسم الخصب للطاعة وهو الأيام العشر الأول من ذي الحجة ومن رحمة الله تعالى
أنه سبحانه لما فضل هذه العشر الأيام على غيرها، أرشدنا لهذا التفضيل؛ لنستكثر من عمل الصالحات
ونتنافس في الخيرات، ونبتعد عن المعاصي ونهجر المنكرات، فكما أن الطاعات أسباب لقرب العبد من
الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب
يرتكبه فإن كنا نطمع في مغفرة الذنوب، ومحو السيئات، والعتق من النار؛ فلنبتعد عن المعاصي في
هذه الأيام، ونجاهد أنفسنا للوصول للسير في طريق الاستقامة، والبعد عن طريق الغواية.
*************
لماذا الاهتمام بالعشر الأول من ذي الحجة ؟؟؟؟
ينبغي الاهتمام بهذه العشر فهي داخل الأشهر الحرم المعظمة، ونسعى للاجتهاد في هذه الأيام بالعمل
الصالح أكثر من غيرها وهذه الأيام أحب إلى الله تعالى من غيرها وإذا عرفنا سبب ذلك، واطلعنا على
فضلها فهذا يجعلنا نتحمس لمزيد من الاجتهاد، ويدفعنا للحرص على التماس الأجر، وطلب العفو
وسوف نتعرف على الأدلة التي تشير إلى فضيلة هذه العشر، ومن ذلك :
فقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه العشر بأنها أفضل أيام الدنيا، فعن جابر رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر ـ يعني عشر ذي الحجة ـ قيل: ولا مثلهن
في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب"
رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني.
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل الصالح فيها؛ وقد ورد في بيان فضلها حديث
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ"
يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ
إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"رواه البخاري.
**************
ولبيان أهمية هذه العشر أيضا :
فقد أقسم الله تعالى بها في سورة الفجر، فقال تعالى: "والفجر وليال عشر"، وهذا وحده يكفيها شرقاً وفضلاً
إذ العظيم سبحانه وتعالى لا يقسم إلا بعظيم، وليس للعبد إلا أن يقسم بالله تعالى، وإذا أقسم الله تعالى على شيء
من مخلوقاته فهذا لبيان عظمة هذا المخلوق، وأهميته، ورفعة مكانته، وعلو منزلته.
وهذه العشر فيها يوم عرفة، ويوم عرفة هو يوم مغفرة الذنوب للحجاج، ويوم العتق من النيران
ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً.
وفيها يوم النحر أو يوم الحج الأكبر: وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم:
"أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر"، ويوم القر هو يوم الاستقرار في منى، والحديث
رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.
************
وأيضا لاجتماع أمهات العبادة فيها: قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر
ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
ولهذا ينبغي على العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها.
وذلك بالإسراع بتجديد التوبة من الذنوب..
فمطلوب من العبد الفطن هو من يحرص على اغتنام هذه المواسم، ولا يجعلها تمر عليه مرور الكرام.
ومن الأعمال الصالحة التي نحرص عليها في تلك الأيام: الحج والعمرة لمن استطاع
إليهما سبيلاً. قال تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ﴾ سورة البقرة: من الآية 196.
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ"متفق عليه.
و توثيق الصلة بالله، بالتقرب إليه بما افترضه علينا، فلنحرص على أداء الفرائض، والاستزادة
من النوافل.كما في الحديث: "مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَمَا يَزَالُ
عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ..."رواه البخاري.
الإكثار من الذكر، خاصةً لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص هذه الأيام المباركة
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلا
أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"
رواه أحمد وغيره وصححه الشيخ شاكر.
وقال البخاري: كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران
ويكبر الناس بتكبيرها. وقال: وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبرأهل
الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه
وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَومن أهم الأعمال الصالحة، والتي تذكرنا بأبي الأنبياء: ذبح الأضحية: فشرع الله الأضحية بقوله تعالى:
"فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" سورة الكوثر وقوله تعالى: "والبُدْن حعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير" سورة الحج: 36
وهي سنة مؤكدة ويُكره تركها مع القدرة عليها لحديث أنس رضي الله عنه الذي رواه البخاري ومسلم
أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمّى وكبّر.
وصيام التسع الأول منها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة.
فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من
كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين"
أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود
قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: أنه مستحب استحباباً شديداً.
والصيام يجعل المسلم يتربى في مدرسة التقوى؛ لأنه يجاهد نفسه، ويحارب شيطانه، ويضبط أخلاقه خلال
أيام الصوم التي يتذكر فيها فضائل الصيام، وأثره على تربية النفس وتقوية الإرادة، والوصول للتقوى.
ومن لم يتمكن من صيام الأيام الأوائل من العشر الأوائل، فليحرص على صيام يوم عرفة، وذلك لغير الحاج
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) رواه مسلم.
ومع الحرص غير ذلك من الأعمال الصالحة الكثيرة، كتلاوة القرآن، وقيام الليل والتخلق بالأخلاق الفاضلة
مثل حفظ اللسان وإفشاء السلام وإطعام الطعام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى الجيران
وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق.
و من الأعمال الصالحة أيضا احتساب الأجر في النفقة على الزوجة والأولاد، وكفالة الأيتام
وزيارة المرضى، وقضاء الحوائج للمسلمين، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
والمحافظة على صلاة الجماعة. والصلح بين المتخاصمين، والبر بالوالدين، وصلة الأرحام
ونشر الكلمة الطيبة، وإتقان العمل، والتعاون على البر والتقوى.
*************
و لنكثر جميعا من فعل الصالحات، وبالعمل الصالح تتنزل الرحمات الله، ونتلمس النفحات
وتخرج البركات، وينصرنا الله تعالى على الأعداء.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تعليق